منذ قديم الزمان والبيوت الإماراتية ترتبط ارتباطا وثيقا بالعطور العربية الأصيلة والدخون والزعفران والمسك وما شابهه من أطايب الخلطات الثقيلة، التي تعبق رائحتها في المكان وترفض أن تغادره، بل كانت ولاتزال وسيلة للتعبير عن حسن الضيافة في الزيارات والأعراس والمناسبات المختلفة، عبر تقديمها للضيف ليتعطر ويزكي لباسه برائحة الدخون الزكية. من هنا نبعت فكرة صناعة العطور والخلطات العطرية والدخون وغيره لدى الإماراتية عتيقة الدوسري، المكناة بأم عادل، والتي التقيناها أثناء مشاركتها في معرض نيولوك الثالث للأزياء والجمال في مركز العين للمؤتمرات صالة أفراح الخبيصي، حيث كانت تشرح لزبوناتها عن نوعية العطور والدخون الذي صنعته بيديها وما يميزه عن الأنواع الأخرى الكثيرة، التي حضرت في نفس المكان. البدايات تتحدث أم عادل عن بداياتها في تجهيز العطور والدخون، فتقول : "كنت مدرسة رياض أطفال وتركت وظيفتي منذ سنتين وفكرت بعمل آخر أشعر أنه ينسجم مع رغباتي وميولي عبر ذائقتي الخاصة في عالم الروائح الجميلة، خصوصا أنها تجارة رائجة في الإمارات حيث لايخفى على أحد مدى عشق الإماراتيين لها وملازمتها لهم في مختلف المناسبات وساعدني وجود خلفية عن مكونات العطور وطريقة مزجها فبدأت بشراء تلك المكونات مثل المسك ودهن العود والعنبر والزعفران الأصلي وغيرها من السوق وتحضيرها عبر طحن بعضها كالعود ومزجه بمواد أخرى وإضافته لعطور جاهزة أشتريها من السوق وبقيت أجرب وأعيد تركيب العطور مرات ومرات، حتى أخرج برائحة جديدة ومميزة". فن وخبرة وذوق تعتبر أم عادل عملية إضافة المكونات السابقة بنسب معينة أمر ليس سهلا، وتقول: مزج العطور مهارة وذوق، فهو يحتاج لفن وخبرة ودقة لئلا يتشابه عطر مع آخر أو عبق دخون بآخر. تتابع أم عادل: تختلف العطور التي أضعها في زجاجات بخاخة عن الخلطات العربية التي أسكبها للزبائن في زجاجات متفاوتة الأحجام حسب الطلب فهذه الأخيرة زيتية ثقيلة وقد أدمج بين الخلطات الزيتية ودهن العود ليخففه وأعبئه في بخاخات وألصق طابعاً «ستيكر» على كل زجاجة أكتب عليها اسماً محبباً للناس. وكثيراً ما أسمي عطوري بأسماء مميزة رنانة، أو أسماء شخصيات معروفة لها ثقلها في المجتمع، لأن ذكرهم كالعطر ينثر أريجه في كل مكان، ولدي أكثر من 30 نوعا من العطر والخلطات العربية ومنها المخمرية المعروفة ولكل منها اسمه الذي يميزه. كريمات للجسم وتضيف أم عادل :أصنع كريمات للشعر والجسم عبر شراء كريمات خام غير معطرة وأضيف لها عطورا غير كحولية لتعطي الجسم رائحة زكية كما أزين «مضرب» العطر وهو تلك الزجاجة كبيرة الحجم التي توضع فيها الخلطات العطرية في البيوت وتقدم للضيوف ليعطروا أنفسهم منها خصوصا في الأعراس، أزينها بإحاطتها أو تلبيسها بقماش متنوع قد يكون من التول أو المخمل أو الساتان وألصق عليها فصوصاً وأحجاراً ملونة وكريستالات ملونة، وغالباً ما أذهب إلى الهند وأشتري إكسسوارات مختلفة لأزين بها. تزيين القناني عن أسلوبها في تزيين قناني العطر، تتابع أم عادل: استخدم مختلف الخامات الممكنة، بل وأبتكر أشياء جديدة، فمثلا استعملت القلائد النسائية في ذلك! حيث قمت بتزيين الكثير من مضارب العطر بقلائد نسائية أنيقة ألصق أطرافها وبدت في غاية الجمال والفخامة إلى جانب أنه يمكنني إضافة أية مواد للزينة فالخيارات كثيرة والأسواق مليئة لكن من يتقن وضعها ويحسن انتقاءها ؟؟ هنا يكمن الذوق والفن. وعلب الدخون تقوم أم عادل بتزيين علب الدخون أيضا، تقول: أشتري من الفجيرة مداخن فخارية أضع فيها الدخون المعطر الذي أصنعه، واخترت «المدخن الفخاري» لأنه يذكرني بأيام الامارات القديمة، فأنا أعتز به لأنه جزء من التراث على الرغم من بيعي لمداخن أخرى من المعادن المعالجة لألبي رغبات الزبائن المختلفة كما أعمد إلى تزيين المدخنة الفخارية بالتلي عبر لصقه على جميع حوافها وأثبت عليه الكرستالات المشعة فأدمج بذلك بين التراث والعصرية. تفيد أم عادل أنه لا يوجد لديها محل لبيع منتجاتها فيه على الرغم من أنها تحلم بذلك حيث تمارس نشاطها من المنزل بعد أن حصلت على رخصة «انطلاق» لكنها تعتبر نفسها ذات شهرة وانتشار لأنها لا تترك معرضاً يقام في أي إمارة من إمارات الدولة إلا وتشارك فيه فلديها زبائن من مختلف الجنسيات لكن أغلبهم من مواطني الدولة. إبداعات أخرى لم تقف إبداعات أم عادل عند هذا الحد فلديها المزيد الذي توضحه بالقول : «أشتري دِلال (جمع دلة بالمحلية وهي الترمس) القهوة ذات النوعية الجيدة وأرسم على سطحها بألوان الزجاج والسيراميك رسومات مختلفة مثل الورود وعروق الشجر التي تمنحها شكلا آخر جميلا أو أزينها بطريقة أخرى عبر لصق صور جاهزة من السوق وألبسها بشفاف غير ظاهر يحميها من التلف نتيجة التنظيف المستمر وأدعم الصورة بأحجار الشوارفسكي التي تعطي فخامة وجمال أو ألجأ للصق بعض الأقمشة المخملية وإحاطة أطرافها بتلك الأحجار الخلابة التي ألصقها بلاصق خاص بها يمنحها صلابة وقوة ودوام على السطح». كما منحت أم عادل العطور والدخون طريقة جديدة تهدى بها عبر تحضير سلات الهدايا أو المناديس حيث تشتريها من السوق سواء كانت خشبية أو جلدية وتلصق عليها زينة واكسسوارات مثل عروق الشجر الفضية والذهبية التي اشترتها جاهزة ورتبتها وقصت جزءا منها وألصقته على سلة الهدايا التي اتخذت شكل الحقيبة كبيرة الحجم بطريقة فنية ملفتة جدا للانتباه وملأت السلة بزجاجات عطرية زينتها بيدها